الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة معرض "مختارات من الفن العراقي المعاصر" بمتحف مدينة تونس: شذرات من روح العراق وناس العراق

نشر في  30 أكتوبر 2017  (14:36)

في العراق، وجوه وألوان وأحلام طفولية...
في العراق نخيل ونساء وأحزان ووجع...
في العراق رسوم وفن وإصرار على الحياة...
في معرض "مختارات من الفن العراقي المعاصر" الذي ينتظم بمتحف مدينة تونس (قصر خيرالدين) بالمدينة العتيقة من 27 أكتوبر إلى 3 نوفمبر 2017 بمبادرة من جميعة الفنانين التشكيليين العراقيين واتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين، ما يقارب الستين لوحة المثخنة بألوان وروح العراق.


وقد كتب قاسم سبتي رئيس جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين أن هذا المعرض القادم من بغداد الحضارة يحمل في طياته رسالة مفادها أن نهر الإبداع لن ينضب في بلاد لطالما ابتلاها الله بالغزاة وبالألم، وأنّ الرسامين العراقيين نهضوا من رحم هذا الابتلاء حاملين على عاتقهم نشر رسالة الجمال والحياة.

ومن بين المشاركين في هذا المعرض نذكر الرسام تركي عبد الأمير الذي يرسم سراب الصحراء، حلم القافلة البعيد واستنطاق لمشهدية الأرض-الأم بقوافلها العابرة وناسها الماضين في طريق الشمس. والرسام اياد الزبيدي الذي يصوّر بلاد الرافدين الحالمة، فتكشف أشكاله وألوانه ثراء الحضارة بمعمارها وتعدد أديانها وتطلع أجسادها النسوية وسلامها المحلق في الفضاء، بابل من جديد بفيض حواسها، بابل تهدر عاليا "اني هنا".
والرسام حارث خالد، مجنون الألوان وصاحب لوحة جاء فيها مشهد بلون العدن الأخضر، بعصافيره ونخيله وشخوصه البريئة. ارتقاء بصري في عالم "الما بعد"، حيث تتمايل الأجساد لتسمتع لحديث الآخر في عفويته، وفي سخائه. 


والرسام سالم الدباغ بتعبيراته التراجيدية التي يطغى عليها فراغ الأبيض وقتامة الأسود الواقع. يقص الدباغ من خلال لوحاته بشاعة العدم، ثقب العامرية، قصف المكان، ارتطام الحياة، الجرح المتفجر. بقليل من الألوان وكثير من التجريد، يروي الدباغ حجم الحطام وعمق التراجيديا.
أما الرسام سمير البياتي، فتخاتل لوحته المشاهد إذا لا نفهم اذا كان يرسم سعادة طفولية أم هموم الصغار.. رقعة دامة مزدانة بخربشات أطفال، بخطوط الفرح والشك والإندفاع والتلعثم. خربشات تستحق التوقف والتأمل، فهم أيضا وأساسا لهم الحق في القوت والحلم وفي لهو الحياة.

والرسام علي عبد الجليل بشخصياته الهلامية التي تقول تقاسيم وجوهها الكثير. أجساد أفقية متراصة وكأنّها اختارت أن تلتحم في جسم وحد لتعبر عن الوحدة والتعدد في آن واحد. حكايات من زمن قديم تغلفها أجساد حاضرة هنا، أجساد لا تنسى بل تحرص على البقاء والبوح.

والرسام فاخر محمد الذي تبدو لوحته كسجاد الحياة، مثقلة بأديم الأرض وبألوانها، كتابات سومرية وأجواء بابلية تجذّف ضدّ تيار النسيان، ضد اللامعنى. تستدرجك، تناديك حتى تتوقف عيناك ويبتسم فاهك ثمّ روحك.

والفنانة منى مرعي التي تدفعك لوحتها للتساؤل عن مغزى الوجود، فما بين القمر الأبيض والطائر الأسود -طائر "أبيرون" يطوي تحت امتداد جناحيه الأسودين جمال الماضي ورعبه وفق عبارة الكاتب هنري ميلر- والمقتطفات  الأخرى سرّ لا يفقهه الجميع.. تركيبة بصرية تستوقفك على حافة ما، على شفير حياة مازالت لم تكتمل. لا هي سعيدة ولا حزينة، بل هي ضاربة في عمق الضياع، حبلى بأسئلة الوجود.

والفنان محمود شبر بلوحاته السوريالية التي تمتزج فيها غرابة الشخصيات بروح نبوخذ نصر العالية بالعربات الطائرة وقرون الثيران الملونة. مزيج حالم، مزيج معجون بروح متدفقة كتدفق دجلة والفرات، كسيل الحياة المقدمة على الحياة بزادها الشكلي واللوني.  

هكذا بدت لنا "مختارات من الفن العراقي المعاصر"، مختارات نقلت شذرات من روح العراق وناس العراق في قلب المدينة العتيقة بتونس العاصمة.

شيراز بن مراد